إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة
70431 مشاهدة
أثر الإسرائيليات وسبب ورودها في كتب التفسير

...............................................................................


السلام عليكم ورحمة الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أنزل الله تعالى كتابه وضمنه قصصا وضمنه أخبارا، وجعل فيه مواعظ وحكما وأمثالا وعجائب وغرائب، وأمر بالاعتبار والتفكر والتذكر؛ وذلك لأن الإنسان متى تفكر في آيات الله وفي عجائب مخلوقاته ازداد يقينا، وآمن إيمانا ثابتا بما أخبر به الرب تعالى عن نفسه، ثم إن هناك من روى حكايات وأخبارا لا صحة لها، واعتمد في إثباتها على أخبار وحكايات عن الكتب السابقة، من كتب بني إسرائيل والتي دخلها التحريف والتي دخل في كثير منها الافتراء.
وكذلك قد دخل كثير من المسلمين في الإسلام وولدوا حكايات وولدوا قصصا لا صحة لها، وما قصدوا بذلك إلا شغل الناس أو شغل أفكارهم وأذهانهم، وقد يكونون قصدوا المواعظ ولكنهم أخطئوا، فتوجد في كتب القصاص ومواعظهم يوجد حكايات كثيرة لا أساس لها، وإنما هي من وضع القصاص؛ وذلك لأن القصاص والواعظين يقف أحدهم في السوق أو في مسجد ويعظ، وإذا رأى أن الناس لا يتأثرون به ولا يخضعون ولا يخشعون ولا يبكون ولا يتباكون فكَّر في اختراع شيء من القصص، فاخترع أحاديث موضوعة ركب لها أسانيد، أو اخترع قصصا لا أصل لها ثم يوردها، العامة إذا سمعوا هذه القصص فإنهم يتعجبون ويجتمعون إلى هذا الواعظ، فيقولون: عنده ما ليس عند غيره، هذا هو الذي يعرف، هذا يورد أشياء لا نسمعها إلا منه، وما علموا بأنها خرافات وأكاذيب لا أصل لها.
وأنه ما أراد إلا أن يجتذب الناس، وأن يصغوا إلى حكاياته وقصصه؛ ولأجل ذلك كان كثير من جهابذة العلماء ينكرون أحاديث القصاص يعني الوعاظ والمذكرين فيقولون: إنها أو إن أكثرها مكذوب فلا يلتفت إليه.
ولذلك وضعوا الأسانيد وتكلموا على من فيها على رجال الأحاديث التي يروونها ورجال الأسانيد، ولم يتحاشوا أن يتكلموا في كل من روى شيئا من الأحاديث، ويقولون إن هذا من النصيحة أن نتكلم في هذا، ولو كان قد مات نتكلم فيه ونبين أن رواياته فيها كذب أو خطأ أو ما أشبه ذلك.
قد ابتلي المسلمون بهؤلاء القصاص الذين يختلقون أحاديث جمعها كثير من العلماء، وألفوا فيها مؤلفات وسموها الموضوعات كالموضوعات لابن الجوزي وكذلك للسيوطي وكذلك للشوكاني وكذلك . وكلهم جمعوا ما يجزمون بأنه موضوع، وهناك أحاديث كثيرة وجدت في الكثير من المؤلفات يجزم أيضا بأنها موضوعة يعني مكذوبة مختلقة.
وهناك أيضا كثير من الروايات والحكايات يظهر أيضا أنها من الإسرائيليات، والإسرائيليات: هي الحكايات والقصص التي ينقلها بعض العلماء عن مؤمني أهل الكتاب أو عن كتبهم ويحسنون الظن بهم، مثل كعب الأحبار يحسنون الظن به وهو يحسن الظن أيضا بالكتب التي عنده من كتب بني إسرائيل، ومثل وهب بن منبه فإنه أيضا ينقل كتبا وينقل مما فيها وهي لا أصل لأكثرها، بل إنما هو من أحاديث أو من قصص الوعاظ أو المخرفين والخرافيين.
وكذلك أيضا في القرن الثاني الهجري لما فتحت العراق وإيران وخراسان والشام ومصر كان عند علمائهم كتب ولكنها بالفارسية وبالرومية وبالقبطية، فنقلها بعض العرب وجعلوها بالعربية وإذا فيها حكايات لا أصل لها وخرافات موضوعة، وضعها أولئك المخرفون نقلها وتناقلها كثير من المسلمين، وظنوا أن فيها مواعظ وأن فيها زواجر وما علموا أنها شغل للأوقات، وأنها شغل للأذهان بدون فائدة تعود على المستمعين، فلذلك ينهى كثير من العلماء عن الانشغال بها.
وبعضهم يرويها ككثير من المفسرين يروونها، ويقولون نترك العهدة على النقالين نرد عهدتها إلى نقالها، نسلم من المسئولية إذا رويناها بهذه الأسانيد ولا تبعة علينا حيث إننا رويناها، وقلنا: ابحث أيها القاري عن هؤلاء الرجال الذين رويناها عنهم فهم أمامك ابحث عنهم فإذا كانوا ثقات فاقبل وإذا كانوا ضعافا أوكذابين فرد، وإن كان هذا قد يكون عذرا لهم ولكن الأولى أنهم ينبهون عليها.
في كتابنا هذا ألفه أبو الشيخ الأصبهاني ولكنه -عفا الله عنه- حشد فيه هذه الحكايات الإسرائيلية وأورد فيها شيئا يقطع بأنه كذب لا أصل له، ومن ذلك ما مضى بنا في الدرس الماضي ما يتعلق بقاف حيث ذكروا أن قاف جبل عظيم وأن ذلك الجبل فيه كذا من المياه ومن الأنهار ومن الأشجار وأن طوله كذا وأن طباعه كذا، وأن السماوات أو الأرضين أنها تثبت عليه أو أنه إذا تحرك اضطربت أو ما أشبه ذلك من تلك القصص الطويلة التي لا أساس لها ولا أصل لها.
فيقولون: روينا هذه القصص عن هؤلاء الذين رووها، والعهدة على نقالها، والجواب: أن نقول ليس كل من سمعها يعرف الأسانيد الواجب أن الذين كتبوها ينبهون على ما فيها من الأخطاء ويبينون أنها كذب، أو يتكلمون على الأسانيد؛ أن في هذا الإسناد فلان كذاب أو فلان لا أصل لروايته أو إن مآلها أو إن مردها إلى الإسرائيليات أو ما أشبه ذلك.
ولا يذكر لكثرة من يتناقلها من المفسرين الذين انخدعوا برواتها ولو كانوا من المشهورين مثل تفسير الثعلبي وتفسير البيضاوي ونحوه، وحتى من المحدثين كالبغوي وابن جرير نقول: إن هؤلاء أحسنوا الظن بمن رواها ونقلوها بهذه الأسانيد، وكان عليهم أن يعرضوا عنها أو أن يبينوا غرابتها وضعفها وكذبها.
وقد انتبه لذلك كثير من المفسرين الذين عرفوا صحة ما فيها أو كذبه ومن أشهرهم ابن كثير العالم المشهور هو إسماعيل بن عمر بن كثير -رحمه الله-وما ذاك إلا أنه رزقه الله العلم بالحديث والعلم بالرجال، فانتبه لذلك مما أتى على هذا الفرض في سورة ق ذكر أن كثيرا من المفسرين رووا فيها الحكايات وأن تلك الحكايات لا أصل لها وأنها تعود إلى نقلهم عن الإسرائيليات التي أكثرها أو كلها لا أصل له.
وقد ذكر أن الإسرائيليات وأحاديث بني إسرائيل ثلاثة أقسام:
قسم: يشهد له القرآن والسنة فيستغنى عنه بالقرآن والسنة.
وقسم: يشهد بكذبه فيقترح ألا يشتغل به.
وقسم: لا يصدق ولا يكذب لعدم الدليل على صدقه ولا على الكذب.
فيقال: آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ .